الأموال الرخيصة تغرق العالم بالديون
وفي هذا الصدد، يفيد البروفسور الألماني هانز هويس في الشؤون المالية والاقتصادية الدولية في جامعة بوخوم، بأن ديون الدول والشركات المالية، حول العالم، لن تتوقّف عن تحقيق أرقام قياسية جديدة.
وفي الرُبع الأول من عام 2020، من المتوقع أن يتخطّى إجمالي هذه الديون العالمية 257 تريليون دولار. واللافت أن القطاع العالمي غير المالي، الذي ترسو ديونه حالياً عند 200 تريليون دولار، سيحمل هذه الديون إلى مستوى تاريخي جديد لم يشهده قط عالم المال والأعمال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويضيف أن ديون الأُسر الأوروبية ضربت رقماً قياسياً جديداً في كل من بلجيكا وفنلندا وفرنسا والنرويج والسويد وسويسرا. في حين وصلت ديون الشركات غير المالية في كل من فرنسا والسويد وسويسرا إلى مستويات مقلقة. وتبقى الديون، لدى الأُسر والشركات الألمانية، خاضعة لتقلبات أسعار المواد الرئيسية. ولليوم، لا تزال الديون الألمانية عالية إنما تحت السيطرة.
ويختم: «تذهب أنظار المستثمرين الألمان إلى الدول النامية التي تتراكم عليها ديون إجماليها 72 تريليون دولار من جراء أسعار الفائدة المتدنية والدولار الأميركي الضعيف». وترسو ديون هذه الدول بالعملة الأجنبية، خصوصاً الدولار الأميركي، عند 8.3 تريليون دولار، أي ضعف ما كانت الحال عليه في عام 2010.
ومن دون احتساب القطاع المالي، تعادل ديون الدول النامية 187 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وتصل هذه الديون في مدينة هونغ كونغ الصينية، التي تشهد وجوداً كثيفاً للمستثمرين الألمان، إلى 365 في المائة من ناتجها المحلي. في الواقع، يأخذ المستثمرون الألمان بعين الاعتبار درجة مديونية الدول قبل التخطيط لتوجيه رؤوس أموالهم إليها.
في سياق متصل، تنوّه الخبيرة الألمانية المُستقلة كسينيا شميت من مدينة دوسلدورف، بأن مجموعة من السندات وأذون الخزانة، تستحق عام 2020 ويصل إجماليها إلى 19 تريليون دولار، تحتاج إلى الضوء الأخضر لإعادة تمويلها. ويستوطن 30 في المائة من هذه السندات في الدول النامية.
وتضيف أنه ينبغي على ألمانيا سوية مع اليابان والولايات المتحدة دراسة مخاطر إعادة التمويل، أي عدم إمكانية إعادة تمويل المُقترِض عن طريق الاقتراض لسداد الديون القائمة، عن كثب، علماً بأن إعادة التمويل هي الاستعاضة عن التزام دين قائم بالتزام دين آخر بشروط مختلفة. وقد تختلف شروط وأحكام إعادة التمويل إلى حدّ كبير حسب البلد أو المقاطعة أو الولاية، استناداً إلى عدة عوامل اقتصادية كما المخاطر الكامنة والمخاطر المتوقعة والاستقرار السياسي للأمة واستقرار العملة والأنظمة المصرفية والجدارة الائتمانية للمقترِض والتصنيف الائتماني لدولة ما.
وتختم شميت القول: «ترتبط ديون العالم بدائرة التوسّع الاقتصادي الحالي الذي يُعرّف عنه الخبراء الدوليون بـ(اقتصاد جولديلوكس)، حيث يكون فيه النمو الاقتصادي مُعتدلاً إنما ثابت في موازاة موجة تضخّم مالي ضعيفة جداً، ما يجعل أداء النظام المالي العالمي محدوداً، بمعنى أن المُقترِضين يماطلون في سداد ديونهم من دون أن يحاسبهم أحد. وعلى صعيد الشركات المُقترضة، فإن أداءها التجاري يتراجع كلما تراكمت الديون عليها، وهذا من شأنه ضعضعة منافسة الأسواق المحلية».
بلغ الدين العالمي مستوى قياسيا تجاوز توقعات وكالات التصنيفات الائتمانية العملاقة، حيث يعود ذلك إلى تفاقم احتياجات التمويل واعتماد البنوك المركزية حول العالم على سياسات نقدية بالغة التيسير وخفض تاريخي لأسعار الفائدة، بما في ذلك برامج بالمليارات من الدولارات لشراء سندات تصدرها شركات خاصة لمساعدتها على الاحتفاظ بالوظائف.
أظهر أحدث تقارير لمعهد التمويل الدولي الجمعة ارتفاع الدين العالمي إلى مستوى قياسي عند 281 تريليون دولار في 2020 مع توسّع الحكومات في الإنفاق لمواجهة تداعيات جائحة كورونا.
وفقا للتقرير، فقد زاد الدين العالمي بمقدار 24 تريليون دولار إلى 281 تريليونا في 2020 من 257 تريليونا في 2019.
وقال معهد التمويل الدولي إنه بهذه الزيادة بات دين العالم يعادل 355 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنهاية 2020، أي بزيادة 35 نقطة مئوية عنه بنهاية 2019.
هذه الزيادة السنوية في حجم الدين العالمي هي أضعاف الزيادة إبان الأزمة المالية العالمية التي بدأت في 2008، ونتجت عن انهيار سوق الرهن العقاري بالولايات المتحدة، وامتد تأثيرها إلى كافة أنحاء العالم.
وزاد الدين العالمي بنسبة 10 في المئة في 2008 و15 في المئة في 2009.
ارتفع الدين الحكومي ليشكل 105 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، من 88 في المئة في العام 2019.
المعهد إن الدول المتقدمة أضافت 10.7 تريليونات دولار من الديون الحكومية إضافة إلى 10 تريليونات لدول أخرى خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وارتفع دين القطاع الخاص غير المالي إلى 165 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، من 124 في المئة في 2019.
سياسات نقدية بالغة التيسير وخفضا تاريخيا لأسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية حول العالم، بما في ذلك برامج بالمليارات من الدولارات لشراء سندات تصدرها شركات خاصة لمساعدتها على الاحتفاظ بالوظائف.
تعرف آليات لجوء الحكومات إلى الاقتراض من بنوكها المركزية لتمويل الإنفاق العام باسم “التمويل النقدي”، وهي علاقة خطرة أكدتها وقائع التاريخ من جمهورية فايمار الألمانية في ما بين 1918 و1933 وصولا إلى ما حدث في الكثير من دول أميركا اللاتينية والكثير من بلدان العالم الثالث.
ويؤدي اقتراض الحكومات من البنوك المركزية عادة إلى انحدار سريع، حين تسمح تلك العلاقة بتمادي السياسيين في الاعتداء على استقلال البنك المركزي.
يؤدي توفر التمويل السهل عادة إلى ارتفاع هائل في معدل التضخم نتيجة قيام الحكومة بضخ السيولة النقدية بحرية كبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد.
وخلال العديد من الأزمات المالية والاقتصادية السابقة، كان هناك التزام بمنع التمويل المباشر للحكومات من قبل البنوك المركزية، رغم أن تلك البنوك كانت تشتري كميات كبيرة من سندات الخزانة لتمويل الحكومات، لكنها كانت تشتري تلك السندات من السوق الثانوية، أي أنها تشتريها من مستثمرين وليس من الحكومات مباشرة.
أما بالتزامن مع أزمة كورونا فقد أصبحت أعداد متزايدة من خبراء السياسة النقدية تعتقد أنه لا بد من تجاوز سياسة الفصل النقدي بين الحكومة والبنك المركزي، في ظل أزمة وباء عالمية كبرى، وظهور ضغوط غير مسبوقة على ميزانيات الحكومات وتراجع قدرة سوق السندات على تمويل الحكومات.
ذكرت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية في تقرير سابق مؤخرا، أن أزمة الوباء ستكلّف البنوك في أنحاء العالم خسائر قيمتها 2.1 تريليون دولار في القروض بنهاية العام الحالي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق