Jul 3, 2020
هل يخطئ بوتين؟ وهل يتوجب على روسيا أن تسير على خطوات الديمقراطية الغربية لكي تكسب الرضا؟ ومن هم أولئك الذين يجب كسب رضاهم أصلا؟ وهل يجب على كل دول العالم أن تمتثل لتقاليد الديمقراطيات الغربية؟ وهل هذه الديمقراطيات، هي نفسها، جديرة بالاحترام بالفعل؟
الأمثلة كثيرة على فساد الديمقراطية الغربية. وكلما أمعن المرء في تفاصيلها كلما زاد دهشة من أن فسادها يكاد يتغلغل في كل مفصل من مفاصلها، ابتداء من الترشيحات إلى الانتخابات إلى إدارة السلطة نفسها.
رأس المال هناك هو الذي يقرر كل شيء، لا إرادة الناخبين
هذه هي الحقيقة الأولى. وهي حقيقة تسخر من الناخبين كما تسخر من مفهوم الديمقراطية نفسه. التبرعات والإعلانات والتوجيه الإعلامي وشراء الذمم، ولوبيات النفوذ، هي بالأحرى العناصر التي تقرر من يجب أن يفوز ومن يجب أن يخسر، بل وحتى ما هي السياسات التي يتعين على الفائز أن يتبعها.
هناك منظومة قيم وأعراف وقوانين تحد من الأثر الكارثي لهذا النمط من الأنظمة، إلا أنها منظومة تشبه جائزة ترضية لإقناع الناخبين بالصمت على فساد نظامهم.
فبما أنهم لا يتضررون كثيرا كأفراد، وبما أن حقوقهم الفردية مصانة إلى حد معين، فإنهم يجب أن يرضوا بحقيقة أنهم لا يملكون أي تأثير حقيقي على وجهة السياسات العامة.
سلسلة من الثوابت الاجتماعية والاقتصادية والقانونية تجعل الأنظمة الديمقراطية تشبه بعضها. ولكن هذه السلسلة نفسها، لا تحد من الفساد، كما لا تحد من الفوارق الاجتماعية، ولا التمييز الطبقي أو العرقي أو العنصري أو الديني. وهو في الواقع جزء من طبيعتها الراسخة.
الكثير من قادة الديمقراطيات الغربية، مرتزقة أيضا، يمكن شراؤهم بالمال بسهولة. مؤسسات الشركات الكبرى والمصالح الرأسمالية هي التي تشتريهم، كما يمكن لدول أخرى أن تفعل، خلال الخدمة وبعد انقضائها.
القانون يمنع تلقي رشاوى. ولكنهم يتلقونها في نهاية المطاف، بوسيلة بعد أخرى،
وهم كذابون أيضا. يرفعون شعارات ويقدمون وعودا لإغراء الناخبين، ثم يفعلون غيرها.
فهل يخطئ بوتين لو أنه أراد البقاء في السلطة إلى ما يشاء؟
شيئان يقرران صلاح نظامه وصلاح خياراته: مكافحة الفساد، وحسن النصيحة.
لا يوجد دليل حقيقي واحد يمكنه أن يثبت أن بوتين رجل فاسد. هناك مزاعم غربية كثيرة، تشبه إلى حد بعيد المزاعم التي قالت إن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يملك المليارات في حسابات خارجية، هو الذي ربما كان لا يملك حسابا مصرفيا خاصا به داخل بلده نفسه. كان يشعر أنه يملك العراق، كما يملك كل شعبه. ويمكنه أن يدخل أي منزل، ومن فوره إلى المطبخ، ليأكل أو حتى لينام. “دكتاتور” كما قيل لنا، ولكنه كان في غنى عن مال قارون. ولم يكن أي من وزرائه يجرؤ على أن يملك حسابا في الخارج، ولا دولارا واحدا، وكان أحد أوجه الانتقام من دكتاتوريته أن أصبح الفساد هو النظام في العراق الديمقراطي.
ولقد جعل بوتين من مكافحة الفساد في السلطة جزءا أصيلا من بقائه على رأسها.
وهو لا يحكم إلا من خلال حزمة مخلصة من المستشارين المتخصصين. مجموعات، لا مجموعة واحدة، تقدم له القراءات والتحليلات والخيارات والبدائل وترسم له أفق التوقعات، وليس من المستبعد على الإطلاق أن تقول له (لا) على خيار أو آخر. تلك الحزمة، تكاد لا تسمع لها صوتا. ذلك لأنها ليست للبيع، ولا للاستعراضات التلفزيونية. واستشاراتها خاصة بصاحب القرار. يأخذ منها ما يشاء، ويهمل أو يرجئ ما يشاء. ما يهم في نهاية المطاف، هو أنه يفعل ذلك لمصالح روسيا.
قائد واحد، مثل دينغ هسياو بينغ، كان هو الذي أعاد صناعة الصين لتتحول من بلد فقير، غارق في التخلف، وبالكاد يتم تصنيفه كدولة من دول العالم الثالث، إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وإلى بلد قوي ومزدهر ويشكل تحديا استراتيجيا هائلا لنفوذ الولايات المتحدة.
ولئن كان يُعاب على الصينيين أنهم أقل قابلية على الإبداع والابتكار، الأمر الذي كان يحد من المخاوف الغربية حيالهم سابقا، إلا أن الصين اليوم تبدع وتبتكر على سوية الكثير من الدول المتقدمة. وابتداء من العام 2015، سجلت الصين، بحسب التقرير السنوي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، أكثر من مليون طلب لتسجيل براءة اختراع، وذلك من بين 2.9 مليون طلب في العالم كله. فإذا كان ذلك لا يكفي، فقد سجلت الصين، بمفردها، في العام 2019 نصف طلبات براءات الاختراع في العالم.
“الدكتاتورية” القائمة في الصين والتي يهاجمها الغرب الديمقراطي كل يوم، ويتذرع لها بالذرائع، هي التي تجعل الصين قوة استثنائية اليوم.
لا الرئيس الصيني معروض للبيع في سوق نخاسة الديمقراطية، ولا أي مسؤول آخر في نظامه “الدكتاتوري”.
للديمقراطية تاريخ خاص بالغرب، وهي مشكلته، ولا أعرف لماذا يتعين أن تكون مشكلتنا نحن. ما نعرفه هو أننا ندفع ثمن خياراتها العدوانية، وميولها الطبيعية إلى ارتكاب جرائم الغزو والهيمنة والابتزاز والتهديد.
لو كنت روسيا، لصوت لبقاء الرئيس بوتين حتى العام 2500، طالما لم يفسد، وطالما ظل يصغي للنصيحة.
*
الديمقراطيات العربية الزائفة وخداع الشعوب
كان الله في عون شعوب أمتنا العربية، فقدرهم أن يصبح العالم قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا، حتى تصبح ديمقراطيات العالم الحقيقية على مرأى ومسمع كل طفل بدأ يحلم بوطن يرسم به أحلامه، وشاب يتوق لعدالةٍ تحقق له طموحاته، ومسّن سبعيني يتمنى كرامةً قبل وفاته، وسجين ينتظر حريته بعد أن سُجن ظلماً نظير كلماته، كان الله في عوننا حين نرى المواطن في الدول الغربية ونقارن حاله بحالنا، لنندب حظنا ونصمت رغماً عنا، لأن الكلام في أوطاننا خيانة إلا إذا كان تمجيداً وتهليلاً بالسلطان وعدالته، والتعبير عن رأيك في بلداننا جريمة نكراء إلا إذا كان التعبير لا عن رأيك بل رأيهم، كان الله في عوننا لأننا في صراع نفسي يصيبنا بالجنون، يكبل الأيدي والأفكار والعقول، يكبل حتى الأحلام ويقتلها قبل أن تولد لنصحو على واقع مرير يلتف حول رقابنا كأنه ثعبان عظيم، فلا هو يقتلنا فنرتاح ولا يتركنا لنرتاح، فالظلم أقسى من الجوع والفقر، والقهر أشد ألماً من كافة الأمراض، سحقاً لكم أيها الظُلّام، تجلدوننا كل يوم ألف مرة ولا يعجبكم صراخنا من الألم، تباً لكم فلا أنتم انصعتم لأمر ربكم ورسوله بالعدل، ولا أنتم تعلّمتم من أسيادكم في الغرب..!!
ما هكذا تُبنى الدول، ولا هكذا يُحكم الناس والبشر، وإن كان لا بد من ظلمكم لنا فلا داعي للاستخفاف بنا وبعقولنا، نبشركم مهما علت أبواقكم المأجورة بالتغني بعدالتكم وديمقراطيتكم نحن نعلم الحقيقة، ونعرف جيداً أنكم أساتذة في فن الدكتاتورية تحملون درجة بروفسور في علم اضطهاد وظلم الشعوب، وسيرتكم الذاتية وإن كانت منمقة مزخرفة في ظاهرها، فإن باطنها فيه من الوضاعة والحقارة ما يلوث مياه المحيط الاطلسي، وسطور خطاباتكم وإن كانت حروفها تقطر إنسانيةً وتسامحا، فإن ما بين تلك السطور أسود كقلوبكم، وحبرها ما هو إلا قطران قذر منبعه ضمائركم النتنة، وصوركم المعدلة من أجل أن تظهر جبينكم وضّاءً منيراً ما هي إلا أقنعة الحملان على وجوه الضباع، فتأكدوا بأنكم لن تخدعونا بزيفكم المزعوم، فنحن نعرفكم أكثر مما تعرفون أنفسكم، ونلعن ظلمكم وجوركم في كل وقت، في جلسة الغداء بظل زيتونة وقت القطاف، أو أهازيج الرجال والمناجل في موسم الحصاد، في سهرة لعاشق لم يحظ بمن يحب، أو في سمرة تعلو جبين جندي يحمل السلاح على الحدود، وفي دعائنا بصلاتنا وقت السجود، وفي ترانيم الكنائس العتيقة، حتى في أحلام نومنا نلعنكم، لا بل في كل أنفاسنا نلعنكم، فشهيقنا لعنة وزفيرنا لعنة، تحل عليكم في حياتكم، وتطال بعد موتكم رفاتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق