Jul 25, 2020
جيل الألفية بدأ البحث عن الحلول بدلا من الاعتماد على الرعاية الأبوية.
وجد الجيل الجديد نفسه أمام متغيرات متسارعة تأقلم معها سريعا واكتشف ذاته مبكرا وأصبح أكثر فهما لاحتياجاته، فتخطى الحاجة إلى الرعاية الأبوية والعودة إلى تجارب الآباء في عصر يزداد اختلافا عن العصر الحالي في كل لحظة من التطور في حين أن الجيل الأقدم يشعر بالغربة أمام الطبيعة المادية للقرن الـواحد والعشرين.
لسنوات طويلة طغى مصطلح صراع الأجيال على العلاقة بين الشباب والجيل الأكبر سنا، الذي غالبا ما كان يعتبر الجيل الجديد عديم المسؤولية وكسولا ومستهترا وبحاجة للإرشاد، لكن التطور الهائل في كل مجالات الحياة اليوم أثبت أن الشباب قادة التغيير وأن الأدوار انقلبت بين الأجيال.
يقول محمود (29 عاما) “نحن نعيش في زمن الفرص أكثر من أي وقت مضى، كل ما نريد تعلمه موجود على الإنترنت، كلنا متساوون لا فرق بين الشاب أو الفتاة وليس مهما أين ولدت أو ما هي جنسيتك، الإنترنت يقول لك الفرصة متساوية أمام كل الناس، يكفي أن يكون بحوزتك موبايل متصل بإنترنت وتعرف القراءة والكتابة لتتعلم كل ما ترغب به أو تطمح إليه”.
ويضيف في منشور على لينكدان “إن قلة فرص العمل والفساد والمحسوبية لا يمكن إنكارها، لكن ذلك لا يعني أن نقف كشباب مكتوفي الأيدي والاكتفاء بتدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي ‘الدنيا ليست مكانا عادلا'”.
ويتابع “كل ثانية نضيعها في الشكوى والقول ‘هذا حال البلد الشغل بالواسطة’ مجرد إضاعة وقت، يمكن استثماره في مكانه الصحيح ببناء أنفسنا وتطوير إمكانياتنا”.
ومحمود هو مثال واحد على جيل الألفية الذي بدأ بالخروج من القوقعة وبدا أكثر وعيا من الأجيال الأكبر ويؤمن بمحاولة البحث عن الحلول بدلا من الشكوى والاعتماد على الرعاية الأبوية.
الجيل الأقدم غير قادر على اللحاق بالتغيرات المتسارعة والطبيعة المادية للقرن الـواحد والعشرين، ويشعر باليأس والغربة إزاء هذه الوتيرة الحياتية المختلفة عن أيام شبابه حيث كان حتى وقت قريب يرى في ماك دونالدز ومايكل جاكسون والجينز أقصى درجات العصرية، وبالتالي لا يجد ما يقدمه لجيل الألفية من عصارة تجارب لم تعد تصلح للعصر الحالي.
واكتشف شباب الجيل الجديد ذاتهم مبكرا، ويبدون أكثر فهما لاحتياجاتهم ويطالبون باستمرار من هم أكبر سنا بأن يفسحوا لهم المجال للتعبير عن آرائهم، وتحويل أفكارهم إلى حقيقة على أرض الواقع، بل إن هذا الجيل يطالب في بعض الأحيان جيل الآباء بالتنازل عن بعض السلطات الأبوية لصالح أبنائهم، لسبب بسيط هو أن مساحة سيطرتهم على الأبناء قد تراجعت قليلا، حيث لم يعودوا مصدر التربية الوحيد لأبنائهم، بعد أن شاركهم التلفزيون والقنوات الفضائية ومقاهي الإنترنت وصالات الألعاب الرياضية والكهربائية ومحلات الأكل السريع، إذن لم يعد الآباء أصحاب الكلمة العليا في توجيه وصياغة مستقبل أبنائهم كما كان، لأنهم صاروا مجرد مشاركين مع وسائط كثيرة ثقافية وإعلامية وتكنولوجية.
صراع الأجيال
يؤكد الدكتور عبدالنعيم محمود، أستاذ علم النفس التعليمي، على حقيقة علمية، وهي أنه لا يوجد في علم النفس ما يسمى “بصراع الأجيال”، وأن هذه اللافتة التي يعلق عليها الكثيرون أسباب الخلاف بين جيل وآخر لا وجود لها، لافتا إلى أن ما يظهر من خلافات في الرأي بين الأجيال المتباينة هو حراك طبيعي.
وفعليا يعيش الآباء والأبناء عالمين مختلفين لا يلتقيان بالكثيرِ من الأمور المشتركة في الرؤى والأفكار، لكلّ منهما رؤيته الخاصة، لكلّ منهما معاييره في الثقافة والأدب والفن والجمال والذوق، وتطلعاته للغد، ومفاهيمه الحياتية والإنسانية ومواهبه ومهاراته وإبداعاته وابتكاراته، لكلّ منهما منظومات قيمه ومفاهيمه الأخلاقية وأنماطُ تدينه.
شباب اليوم أشد واقعية من الآباء، لأن العالم بمختلف تنوعاته وتفاصيله وخصوصيات مجتمعاته المتعددة أشد حضورا في حياتهم عبر يوتيوب وفيسبوك وتويتر وواتساب وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، ومن خلال العلم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وكشف استطلاع حديث للرأي أن ما يسمى بـ”جيل زد”، أي الجيل الذي يتراوح عمره اليوم بين 18 و24 عاما، أكثر تحمسا للتكنولوجيا ووعيا بالقضايا البيئية والصحية.
جيل زد يثمن أسلوب الحياة الصحي، ولا يمكنه تصور حياته من دون هاتف ذكي”.
ستخدم جيل زد المواقع الإلكترونية والمدونات الصوتية أو المدونات الكتابية ووسائل التواصل الاجتماعي للاطلاع على الأحداث الجارية. وكشف الاستطلاع أن 24 في المئة منهم فقط يطلعون على أحدث المجريات عبر وسائل إعلام تقليدية مثل الصحف والمجلات والراديو والتلفزيون.
وما يجعله يتمرد على دروس الأخلاق من الجيل القديم هو الانفصال بين القول والعمل، فلا يجوز للأب، مثلا، أن يحذر ابنه من مضار التدخين وهو يدخن، ولا يجوز أن يطلب منه أن يكون صادقا وهو كاذب”.
والذهنية السائدة للجيل الأكبر في غالبية دول المنطقة العربية مازالت مرهونة لنظام تعليمي قديم وثقافة تقليدية مهيمنة ونمط تدين مغلق وظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية مضطربة يتردد صوت العنف فيها، ونتيجة لكل ذلك صار ذهن الأبناء مشوشا. وطبيعي أن يفضي ذلك لأمراض ومشاكل مختلفة معقدة لم يعرفها من قبل جيل الآباء.
يقول عبدالجبار الرفاعي المفكر والكاتب العراقي “نحن بحاجة للكثير من التواضع والشجاعة في تخطي حكاياتنا المكررة وتجاوز مواقفنا المتصلبة، كي نرى التحولات العميقةَ التي تجتاح العالَم من حولنا، والاعتراف بتقصيرنا في حق الأبناء، وإخفاقنا في منحهم حق الاختلاف في التفكير والتعبير، والحرية في التعاطي مع عالمهم، من حيث هم لا من حيث نحن. لنعرب عن ندمنا ونعلن أخطاءنا ونعترف بجهلنا في الكثير مما يدور بنا وندور معه رغما عنا، في هذا العالم الذي يفرض علينا أقداره وأنماط العيش فيه”.
ويضيف “يهجو كثيرون الجيل الجديد من الشباب بوصفهم ‘لا يعرفون ماذا يريدون’، لأنهم يعيشون عصر تكنولوجيا المعلومات وثورةَ فيسبوك ووسائل التواصل المختلفة التي تضمحل في فضائها حدود المكان وينبثق فيها عالَم مفاهيم مختلف، ويتخذ فيها الزمان والثقافة والمعرفة مفهوما جديدا. وربما تمادى البعض بتوصيف جيل الشباب بالغباء والضياع واللاانتماء واللامسؤولية عن كل شيء. ويمتدحون جيلي والأجيال الأكبر عمرا، بوصفها ‘تعرف ما تريد’، لأن خياراتهم في المُعتقَد والأيديولوجيا والانتماء كلها محسومة سلفا”.
“أظن أن هذا التوصيف يخطئ مرتين؛ يخطئ في المرة الأولى عندما يصف الجيل الجديد بالضياع، وبأنه ‘لا يعرف ماذا يريد’، لأن عقلَ الشباب اليوم أنضج ووعيهم للحياة أعمق منا حين كنا في مرحلتهم العمرية، عالمهم مركّب وعالمنا بسيط، عالمهم متنوّع وعالمنا أحادي، عالمهم نسيجٌ معقد تتلاقح فيه الهويات وتتفاعل فيه الثقافات، ويتوحد في موكب واحد. إنه عالم تتوارى فيه الحدود، أما عالمنا فيزدحم بالحدود. وعلى الرغم من اتساع الفردية وترسخّها في عالمهم، إلا أن كل فرد منهم بوسعه أن يتحدث إلى الكل، بل بوسع الكل أن يتحدث إلى الكل”.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق