الأحد، 13 فبراير 2022

عيد الحب او العشاق **************************

 Dec 9, 2021

كيف تنظر الأديان للعشق؟

 الرابع عشر من فبراير من كلّ عام

 الدبدوب الأحمر، وقرابينها الورود، والشموع، والبالونات. كرّس النمط الاستهلاكي لعيد العشاق نموذجاً موحّداً للاحتفاء بالحبّ الرومانسي، وهو "اختراع" بشريّ جديد نسبياً، مقارنةً بالمدارس الروحانية التي قاربت الحبّ بما يتناسب مع رؤيتها للخلاص.

"بحبّه يا بابا"، جملة، لكثرة ما تردّدت في أفلام الأبيض والأسود المصرية، باتت أيقونة درامية وهزليّة في آن. تبكي البطلة على فراق حبيبها الذي تمنعها الأعراف من الارتباط به. غالباً، يكون الحبيب من طبقة مختلفة، أو لم ينه دراسته، أو لا يعجب أهلها. تنتهي القصّة بالزواج رغم العقبات، ويفرح الجمهور، ويعيش طائرا الحبّ بثبات ونبات.

مفهوم الحبّ الرومانسي الذي نرى تكثيفاً له في الأفلام، نشأ في نهاية القرن الثامن عشر، وشكّل ثورة ونكبة في آن. مع الحبّ الرومانسي، انتفى الزواج بدافع المال أو الأرض أو المنصب، وصار الدافع الوحيد المقبول للارتباط هو المشاعر أو "الحبّ الحقيقي". برأيه، فإنّ تعريف التيار الرومانسي للحبّ قضى على حظوظ الناس "العاديين" بخوض علاقات متوازنة وغير مهدّدة بالانهيار.

كيف نعرّف الحبّ الرومانسي؟ إنّه بحسب آلان دو بوتون النموذج الأكثر شيوعاً للحبّ اليوم. من أبرز عناصره أننا نوجّه انجذابنا بالأساس إلى من يتمتع بجمال الشكل والمضمون في آن، كمعيار أساسيّ لقبول الحبّ أو رفضه. في هذا الإطار، نتوقّع من الآخر ومن أنفسنا، أن نحفظ شرارة الانبهار الأولى، رغم مرور الزمن والانجاب وهموم المال والمهنة. فإن اختلفنا مثلاً على وضعيّة المناشف في الحمام، أو لم ننجح بتغيير عادات الآخر وأسلوب حياته، يعني أننا فشلنا في الامتحان. في كتيّب الحبّ الرومانسي هذا، الوحدة مسألة كارثيّة، ما يجعلنا ننتظر من الآخر ألا يكون حبيباً فقط، بل طبيباً نفسياً، وطباخاً، وسائقاً، ومستشاراً مالياً، ومرشداً روحياً كذلك. برأي الكاتب البريطاني، فإنّ هذه التوقعات غير منطقية، وغير عمليّة، وتسبّب تعاسة كثر.

نشأ التيار الرومانسي كردّة فعل على التطوّر العلمي والصناعي المتسارع، وكدعوة للعودة إلى طفولة البشرية، إلى الطبيعة، والفطرة. البطل الرومانسي كما صوّرته الروايات الأوروبية في تلك الحقبة، حزين، بائس، ومنتحر على الأرجح في النهاية. هو ضحية الامتثال لقوانين العالم الجائرة، الشهيد البريء في مجتمع نسي لغة الحبّ والمشاعر. يشبه أبطال المسلسلات التركية أو الكورية المدبلجة.

في توق رومانسيي القرن الثامن عشر إلى الطفولة والفطرة استلهامٌ من الأساطير التي أعطت الحبّ والرغبة شكل طفل مجنّح يحمل قوساً وسهماً، هو ابن الهة الحبّ (فينوس/ أفروديت) وإله الحرب (مارس/ آريس). سمّاه الاغريق ايروس، والرومان كيوبيد، وكان يكفي أن يصيب بسهمه أيّ أحد، حتّى تدبّ في جسد المصاب الرغبة الجامحة.

منح خيال الحضارات القديمة آلهتها القدرة على الحبّ والزواج والانجاب. كيوبيد الذي بات رمزاً للحب الرومانسيّ خلال القرن الماضي،

فينوس، أفروديت، عشتار، إنانا، وإيزيس، والعزى، كنّ وجوهاً متعددة لإلهة واحدة هي إلهة الحب، والجمال، والخصوبة، والرغبة. في بعض الحالات، كانت الهة الحبّ والخصوبة إلهة الحرب والعدالة والسلطة أيضاً، كما في حالة إنانا، أو حامية النساء والأطفال كما في حالة ايزيس. فالحبّ في تلك الديانات كان جزءاً من سلطة الطبيعة، وقوّة للخير والدمار في الوقت ذاته. اعتبرت الرغبة قوّة ايجابيّة لاستكمال دورة حياة الانسان المستمدّة من الفصول ومواعيد الحصاد.

بعد مئات السنوات من المدّ المسيحي في العالم، وأثره في الإنتاج الثقافي في أوروبا، تحوّل كيوبيد إلى طائر مكسور الجناح، لتحلّ مكان ايروس الشبقيّ، المحبّة أو agape بمعناها القدسي. بات الحبّ قيمة تربط الانسان بالله وتربط الناس ببعضهم البعض. كُسر جناح الحبّ الشهواني لصالح معانٍ روحانية تنفي الجسد بالكامل وتقصيه، وتدعو الناس إلى المحبة والرحمة كأسلوب عفيف للعيش ولنيل الثواب في الآخرة.

في اللاهوت المسيحي، الله "محبّة"، لأنّه تجسّد على شكل انسان لتخليص البشرية من خلال الصلب والآلام. بحسب انجيل يوحنا، فإنّ وصيّة المسيح الوحيدة لتلاميذه كانت "أحبوا بعضكم كما أنا أحببتكم". ترى الكنيسة المحبّة واحدةً من قيمها الأساسية الثلاث، إلى جانب الايمان، والرجاء.

لا مكان على الإطلاق للشهوانية في الفكر المسيحي، بل تشديد على التقوى، والعذرية، ونكران الملذات. فالجنس هو الخطيئة الأصلية التي طردت آدم من الجنّة، والهدف من الزواج هو الانجاب فقط، ولا حبّ ممكن إلا بالمسيح المتألّم المخلّص.

طريق اليقظة والكاماسوترا

تلتقي البوذية مع المسيحية في فهمها للحبّ كطريق للخلاص. في تعاليم بوذا، قدرُ الانسان الذي لا فكاك منه هو العذاب. ولكي يتجاوز هذه الحتمية ويتصالح معها، عليه ممارسة عدد من الفضائل الروحانية، تمرّ بالترفّع عن الغيرة والشهرة والرغبات.

 الحبّ بالنسبة لبوذا يتجاوز حدود الوجود العادي، ليصير أحد سبل الحكمة. إنّه طريق لليقظة الكاملة من خلال النظر بعين الرحمة والعطف إلى الكون والإنسان والخلائق كافة. إنّه العطف من دون مقابل، من دون انتظار تقدير أو شكر أو ثمن. هكذا، فإنّ الحبّ في البوذية تمرين مستمرّ على تجاوز الخوف، وتقبّل ما ليس لنا عادة على تقبّله.

في روحانيات الشرق القديم، تتلاقى البوذية مع المسيحية في نبذ شهوات الجسد، كونها تشوّش ذهن الباحث عن الصفاء الكامل، بعكس الهندوسية التي ترى في الجنس والحبّ نوعاً من العبادة.

 أشهر الكتب الهندوسية المقدّسة كتاب الكاماسوترا الذي يجعل من الرغبة أساساً لولادة الكون الذي ينشأ من اتحاد الاله كريشنا بالإلهة رادها. في اللاهوت الهندوسي مكان أساسي للجنس، فمن خلال التزاوج بين الآلهة تنشأ الطاقة اللازمة لتجديد الخلق والحفاظ على دورة حياة الكون. الجنس بين البشر مشاركة في فعل الخلق المقدّس هذا، وطريقة لارتقاء الانسان إلى مراتب عليا.

مئة اسم للحلال والحرام

بعكس المسيحية والبوذية، لا تضع التعاليم الإسلامية شهوات الجسد على الهامش، فلا تحرّم على أتباعها متاع الدنيا، لكنّها تضع قواعد شرعيّة للعلاقة بين الجنسين، قوامها تأسيس العائلة. الحبّ والجنس محبذان وفق الشرع فقط، وللزواج والانجاب فقه خاص.

يأخذ الحديث عن الحبّ في الإسلام ديناً ومجتمعاً طابعاً خاصاً، مع ارتباطه الصارم بمفاهيم الحلال والحرام الناشئة عن أعراف اجتماعية، وتأويلات مختلفة للنصّ القرآني، بحسب تعدّد المدارس والمذاهب.

من أكثر المتحمسين لرؤية الإسلام كدين للحبّ، المفكّر والباحث الأنثروبولوجي الجزائري الراحل مالك شبل الذي كتب مؤلفات عدّة في هذا المجال. وقد خلُص شبل في كتابه "مئة اسم للحبّ" إلى أنّ الإسلام منح الحبّ لحماً ودماً، وأعطاه بعداً إنسانياً. أمضى شبل حياته في دراسة نظرة النصّ القرآني والأحاديث النبوية للحب، والمتعة، والجنس، ويقول في إحدى مقابلاته إنّ الإسلام يعطي حريّة واسعة للحياة الجنسية والعاطفية، شرط أن تكون بين زوجين، أي مع تحديد الإطار العام لتلك العلاقة.

كرّس شبل الكثير من دراساته لإثبات أنّه رغم ظاهر التحريم الذي يطغى على المجتمعات الإسلامية، إلا أنّ الدين الإسلامي في جوهره متسامح مع مفهوم الرغبة، ولا يعدّها شأناً دونياً أو مرفوضاً.

أجمل ما كتب في الحبّ، ما أنجزه تيار التصوّف الذي قاده مفكرون وفلاسفة وشعراء مسلمون، من الحلاج، إلى جلال الدين الرومي، ورابعة العدويّة، وابن عربي، وغيرهم. على تنوّع الطرق الصوفية، يبقى الحبّ عاملاً جوهرياً فيها.

بالنسبة للرومي فإنّ الحبّ "هو أسطرلاب الأسرار الإلهية"، و"الحبّ هو ميراث أبينا آدم، أما الدهاء فهو بضاعة الشيطان. الداهية الحكيم يعتمد على نفيه وعقله أما الحب فتفويض وتسليم. إن العقل سباحة قد يصل بها الانسان الى الشاطئ وقد يغرق، لكن الحب سفينة نوح التي لا خوف على ركابها ولا هم يحزنون".

*

 الحب ليس رواية شرقية في ختامها يتزوج الأبطال لكنه الإبحار دون سفينة ويقيننا أنّ الوصول محال

نزار قباني الذي أجمع العرب المعاصرون، قاطبة، على تسميته بشاعر الحب

رأي علماء النفس ـ حالة مرضية لا يوجد لها تشخيص سريري موحّد، ولا دواء موحّد، ذلك أن المرضى يختلفون ويتعددون، وإن تشابهت العوارض بين “سقيم” وآخر.

 روميو وجولييت في فيرونا الإيطالية، وجيسون وميديا في اليونان القديمة، وممو وزين في كردستان العراق، وقيس وليلى في الجزيرة العربية. 

كل يدعي وصل بليل وليل لا تقر لهم بذلك 

فلا وجود لعاشق قاتل أو حاقد، ولكن هناك عشاق ينتقمون ويثأرون ويمارسون جنونهم ونرجسيتهم كما فعل نابليون بونابرت مع جوزيفين، أو حتى هتلر حين قال أثناء الاحتلال النازي لفرنسا “لولا عيون الجوكندا لأحرقت سماء باريس”.

انتبهت البشرية منذ القدم إلى شيء اسمه “دبلوماسية الحب” فمارست هذا السلوك دول وحكومات في ما يعرف بالمصاهرات السياسية، وعندئذ كفى الحب الشعوب شرّ القتال وعوّض المعارك بباقات الزهور.

إطلالة على قصص الحب لدى الشعوب كفيلة بأن تصغي القلوب، وتدفع نحو التسامح والتقارب، فمن يمتلك مثل تلك المشاعر الجيّاشة لا يمكن له أن يكره. وهي قاعدة ينبغي للعالم التذكير بها وهو يحيي عيد الحب أو “السانت فالنتاين”، في ظروف يحفّها الخوف والتبتل من أجل انقضاء هذه الجائحة على خير.

جان كلود كاريير: هشاشتنا تقربنا إلى بعضنا أما القوة فتباعد بيننا

ممّو وزين

قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء

كيف تحررنا العلاقة بحسب سيمون دي بوفوار؟

علاقة سارتر بشريكته دوبوفوار كانت قائمة على الحرية المطلقة لكليهما

 العلاقات العاطفية من أكثر العلاقات التي عرفت الإخفاق في التاريخ البشري، ومع ذلك لم ينتهِ الحب واستمرت العلاقات برغم الفشل والألم الذي قد ينتج عنه.

في العقود الأخيرة نلاحظ ازدياد التشكيك بشكل العلاقة العاطفية التقليدية، ولا سيما بعد اتساع الوعي بالخطاب النسوي، لما فيها برأي كثيرين من ظلم بحق المرأة.

تقول الكاتبة الفرنسية بيغي ساستر، صاحبة كتاب "كيف يسمم الحب النساء؟"، إن الزواج، بالنسبة للمرأة، هو نعش، والأطفال هم مساميره".

عيشها أكثر من 50 سنة في علاقة حب غير تقليدية مع شريكها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر.

 مساء من عام 1929، اقترح سارتر على بوفوار، عندما كانا في العشرينيات من عمرهما، عقداً قابلاً للتجديد كل سنتين، مبدأه كالآتي: حبنا "حب الضرورة"، ولا مشكلة في أن نعيش على هامش هذا الحب قصصاً من "الحب العرضي". حب الضرورة هو العلاقة الثابتة والمستمرة بينهما، أما مغامرات الحب العرضي، فتتسم بالخفة والمتعة. بكلامٍ آخر اتفق الطرفان على علاقةٍ مفتوحة يحافظان فيها على شراكتهما، من دون "احتكار" الواحد للآخر. فالمغامرات العاطفية، بحسب سارتر، هي الطريقة المثلى للتعرف إلى العالم لأننا "حين نكون رجالاً نتعرف إلى العالم عبر المرأة والعكس صحيح". الشرط الوحيد لنجاح هذا الاتفاق هو الصراحة المطلقة بين الشخصين، ألا يخفيا شيئاً عن بعض، أن تكون مغامراتهما الجانبية على الطاولة أمامهما دائماً.

قرر الثنائي الشهير في مجال الفلسفة أن يعيش الحب من دون مؤسسة، أي من دون زواج، بحرية متبادلة وبشرط الشفافية. هذا العقد كان يمثل أيضاً في حينه تحدياً صريحاً لـ"أخلاق البرجوازية". فبرأيهما حتى الحب لا يجب أن يكون عقبةً أمام أمر العيش بكثافة، أمام استكشاف العالم. استمرت هذه الشراكة بين الطرفين 51 عاماً، وخلقت نظريات وأفكارا وكتبا عدة، وألهمت كثيرين من الأجيال اللاحقة. وبنظر بوفوار، هذه التجربة أثمرت "طفلاً" هو الوجودية.

العلاقة الطويلة بنجاحات وإخفاقات، خصوصاً لناحية اعتراف بوفوار في أحيان كثيرة بغيرتها على سارتر، وعن أخبار مغامرتهما الجنسية التي لامست حدود الفضائح في حياتهما الاكاديمية والفكرية. إلا أن علاقة الفيلسوفين ظلّت متينة، حتى دفنت بوفوار في مقبرة مونبارناس إلى جانب سارتر الذي توفي قبلها بست سنوات. فما هو سرّ نجاح هذه الصيغة غير المعهودة كثيراً ؟

 "الجنس الآخر" الكتاب المرجعي المهم في النسوية حتى يومنا هذا، انطلقت الفيلسوفة في مقاربتها للظلم التاريخي اللاحق بالمرأة من تعريف سارتر للوجودية بكونها أسبقية الوجود على الجوهر. ذلك يعني أن وجود الانسان يسبق جوهره ويحدده لا العكس، أي أننا لا "نكون" بل "نصير". لا شيء معطى سلفاً، لكن الانسان بلغة سارتر هو مشروع، يصنعه بنفسه، يركبه ويفككه إلى ما لانهاية. ذلك عائدٌ إلى كوننا، في المذهب الوجودي، متروكين في عالمٍ لا "مدير" له، لذا نحن بحسب سارتر "محكومون بالحرية".

تأتي هذه الحرية العارية من وحدتنا التامة في عالمٍ عرضي لا معنىً محدد سلفاً له. حين نفهم ذلك لدى سارتر، بإمكاننا بالتالي فهم أشهر عبارة لبوفوار: "لا تولد الواحدة امرأة، بل تصبح كذلك". ذلك ببساطة ينسجم مع فكرة أنه ما من دور محدد مسبقاً للإنسان. من هنا ايضاً، تأتي فكرة أن الهويات الجندرية هي أمرٌ غير نهائي، بل مركب اجتماعي.

لأن الانسان، في الفلسفة الوجودية، يعادل الحرية، لا نجاح لفعل أو لعلاقة تنكر هذه الحرية أو تحاول إلغاءها.

 اعتبرت بوفوار أن حبّاً لا يحترم حرية الذات وحرية الآخر، هو حبٌ "غير أصيل" وسيؤدي بالضرورة إلى استغلال العلاقة العاطفية لتشريع أشكال من الهرمية في المجتمع ولاستغلال المرأة.

الجزء الثاني من كتابها "الجنس الآخر"، قالت إن الرجل والمرأة ينظران إلى الحب بشكل مختلف. إذ أن الرجل اعتاد أن ينظر إلى العلاقة العاطفية كجزءٍ من كل، أما المرأة ففي أحيانٍ كثيرة تجعل حياتها كلها تدور حول هذا الحب. وقد جرى تشجيع النساء تاريخياً على ألا يتوقعن أشياءً كبرى من الرجال، بالإضافة إلى تجهيز النساء للحب والزواج عبر دعوتهن إلى توقع ظلم الرجل باسم الحب. وفيما ترى بوفوار أن النساء نشأن على فكرة أن الحب هو غاية الحياة، هي أرادت أن تجعل من الحرية وحدها القيمة المحددة لحياة المرأة.

"الحب الأصيل" لدى بوفوار هو الحب الذي يتقبّل عرضية الآخر ويحترم حريته، فلا يكون ظالماً ولا استغلالياً ولا يحوّل علاقة الحب إلى مجال لسوء المعاملة وطريقاً نحو التعاسة.

*

عام 1943 أصدر الفيسلوف الفرنسي جان بول سارتر (1905 - 1980) كتاب "الوجود والعدم" الذي يُعتبر "إنجيل الوجودية" حتى يومنا.

العلاقة الثنائية التي تتأرجح عند سارتر بين المازوخية والسادية، يأتي الحب ليكون أشبه باستراحة محارب لوعي الإنسان الذي يحيا في صراع دائم مع وعي الآخرين.

 الشاعر اللبناني الراحل بسام حجار في كتاب "معجم الأشواق": "يراك المحب يجعلك موجوداً".

أننا موجودون بالصدفة ولا معنى أو قيمة أساسية لهذا الوجود. لذا يقضي الإنسان حياته وهو يبحث عن معنى ووجهة لوجوده.

ثم يأتي الحب ليغيّر هذا الشرط، ليجعل الإنسان يشعر بوجوه أخيراً كضرورة. نظرة المحب للحبيب تضفي عليه قيمة شبه مطلقة، فيصبح الإنسان بمأمن، ولو لوقت محدود، من العرضية التي تهدد كيانه في كل لحظة. يشعر أخيراً أن وجوده مبرّر.

 كتاب "الفلاسفة والحب"، الحب "يحمي الإنسان من أي نوع من إنعدام القيمة العارض، فيجعله يصبح غاية في ذاتها، وقيمة مطلقة، وليس نسخة تقبع وسط آلاف النسخ، بل فرادة استثنائية".

يكفي إذاً أن يحبني أحد، أن يراني بعينيه، حتى أتخلص لبرهة من الشرط الإنساني العام القائل بعرضيتي.

نظرة الآخر، كما يكتب سارتر، لن تمر بعد الآن عبر محدوديتي، لم تعد هذه النظرة تجمد وجودي في ما أنا عليه ببساطة، هذه النظرة لا تراني قبيحاً، أو قصيراً أو جباناً، لكن الحب يجعل الآخر يراني كغاية بحد ذاتها، كقيمة مطلقة غير محدودة بالصفات الموضوعية.

من هنا تجنب العلاقة مع الحبيب، لمرة نادرة، الحرب بين وعيي ووعي الآخر. فالآخر، بحسب سارتر، هو من يسلبني ذاتي، هو الذي يبقيني تحت نظره ويقيّمني ويصادرني ويضع لي حدودي

أما الحب فيحميني من أن أكون معرضاً للنظرة الصارمة للآخر، التي تهددني بالسقوط في التشييء، أي حين تحكم عليّ كشيء. لذلك، يكون الحب ملاذا لحريتي ويجعلني أبدو كفاعل واعٍ وحرّ وليس كموضوع مشيّأ.

امتلاك حرية الآخر

الحب عند سارتر هو محاولة للهروب من النظرة التشييئية للآخر.

الرغبة تخنق حرية الآخرين في أجسادهم، يسعى الفرد بواسطة الحب إلى أن يكون محبوبا بطريقة تجعل الآخر يبدو وكأنه علة وجودي، أي أن يعتبرني الآخر قيمة عليا. لكن هاتين المحاولتين، بحسب سارتر، مصيرهما الفشل".

الرغبة في الحب ليست مجرد رغبة في الامتلاك الجسدي، ولكنها في الواقع الرغبة في امتلاك حرية الآخر.

هذه الرغبة لا تتعلق بـ"إرادة القوة" أي بالرغبة التي يشعر بها الطاغية تجاه الشعب مثلا. لأن الطاغية يريد أن يمتلك  حرية الفرد بإلغائها، لكن العاشق يريد أن يمتلك حرية المحبوب من دون أن يلغيها. * عاوزك وانتي حره ** بنت الجيران 

على العكس من ذلك، من يريد أن يُحَب لا يرغب في استعباد من يُحِّب. إنه لا يريد أن يصبح موضوعاً لعاطفة ميكانيكية، هو لا يريد أن يمتلك آلة.

هكذا لا يرغب الحبيب في امتلاك المحبوب كما يمتلك المرء شيئاً؛ بل هو يدعو إلى نوع خاص من المصادرة. إنه يريد الحرية كحرية".

يريد المحب من الحبيب حريته الكاملة لكن التي يختارها هو دوناً عن الآخرين. وكأنه يريد حرية تلعب دور الحتمية. يريد من هذه الحرية أن تقدم نفسها من تلقاء ذاتها له، وهنا تحديدا تكمن الصعوبة في حالات الحب ومآلات الفشل.

عند هذه النقطة، يتأرجح الحب بين نقيصتين محتملتين: المازوخية والسادية.

في فلسفة سارتر، ليست السادو-مازوخية انحرافاً ولكنه الإطار الأصيل للعلاقات بين إنسان والآخر.

في حالة المازوخية أتخلى عن حريتي بمحض إرادتي وأمنحها للآخر بشكل تام. أما حالة السادية فهي عندما أمتلك حرية الآخر تماما فأتعامل معه كشيء أو وعاء لمتعتي الخاصة.

هذه الخلاصة هي التي تنبئ باحتمال فشل الحب في معظم الأحيان، تجعلنا نفهم الاتفاق بين سارتر وشريكته على مدى 50 عاماً الفيلسوفة الفرنسية سيمون دوبوفوار والذي جعل علاقتهما غير تقليدية وقائمة على حريتهما المطلقة. 
زي الميزان لا قلب كله ولا عقل كله 

*
Feb 13, 2021

يحتفل المصريون 4 نوقمبر من كل عام بعيد الحب، وهذا بخلاف عيد الحب الذي يحتفل به العالم في 14 فبراير من كل عام، فيعبرون عن حبهم للأشخاص اللذين يحبونهم، سواء كانت الزوجة أو الحبيبة أو الأصدقاء بطرق مختلفة،

يعد فيلم «حبيبي دائما» الذي أنتجه وقام ببطولته الزوجان نور الشريف وبوسي من أبرز الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما المصرية، 
وعرض عام 1980

الوسادة الخالية
يعتبر «الوسادة الخالية» من أكثر روايات إحسان عبدالقدوس المحبوبة، والتي تحولت إلى فيلم أنتج عام 1957

حسن ونعيمة
قصة حسن ونعيمة، أثرت في الكثير من المشاهدين خاصة مع مشاعر الحب النقية التي جمعت بين الثنائي، والفيلم مأخوذ قصته من أحداث حقيقية عام 1959 في إحدى القرى الريفية،

فيلم «أغلي من حياتي» فيلم هيبتا


*
عيد الحب المصري 

 الواقع أننا نحتفى بالحب مرتين فى السنة فى 14 فبراير من كل عام حين يحتفل العالم بـ«عيد الحب» أو ما يعرف عالميا باسم «الفلانتين»، أو ٦ يوليو حسب الكنيسة الشرقية، أما مصر، فتحتفل بعيد الحب فى تاريخه العالمى، لكن أيضا بتاريخ 4 نوفمبر من كل عام. وشعوب أخرى خصصت أياما للحب وفقا لتاريخها .
365 يوم بالسنة 

والواقع أنه لا علاقة لنا بيوم فلانتين أو فلانتينو إلا من حيث مجاملة إخوتنا الكاثوليك فى عيد يخصهم .

اختيار المصريين لتاريخ الرابع من نوفمبر يرجع إلى الكاتب الراحل مصطفى أمين (1914- 1997) ويعود إلى مقال له نشر عام 1974 ويتناول قصة واقعية عاش أطوارها وذكرها فى عموده الشهير «فكرة» عام 1974 فى جريدة «أخبار اليوم»، ثم
انتقلت تلك الدعوة من مجرد «فكرة» إلى عيد سنوى للحب، لكنها لا تقتصر على العشاق وإنما «الفكرة» الواسعة للحب التى نشرها مصطفى أمين تشمل العائلة والأصدقاء وزملاء العمل والجيران... إلخ، وأصبحت الطبقات الثرية من المجتمع تحتفل به فى الفنادق الفخمة والحفلات الصاخبة .

العرب أول من اخترع قصص الحب، وأشهرهم قيس وليلى، وعنترة وعبلة، وجميل وبثينة، وكان أبطالها فى الغالب شعراء، ولا ننسى أن القصائد كانت تفتتح بالغزل والنسب. ومن أشهر القصص قصة عنترة بن شداد من قبيلة بنى عبس وحبيبته عبلة، وهو ذلك الفارس الذى بزّ الأعداء فى حرب داحس والغبراء، وأمه كانت جارية، وبعد أن أثبت قدراته فى الحروب، ألحق نسبه ببنى عبس، وأصبح من الأحرار بحسب تقاليد ذلك الزمان. وقد أحب عنترة ابنة عمه عبلة بنت مالك، ولكن منالها لم يكن سهلا، إلى أن أنجز مهمة أسطورية فى تلبية طلب والدها بجلب النوق العصافير من الملك النعمان (!) كى يوافق على زواجهما .

ن أشهر قصص الحب العربية قصة جميل وبثينة، فجميل بن معمر الذى عاش فى العصر الأموى أحب بثينة، وكلاهما من بنى عذرة مع اختلاف الفرع، بدأت حكايتهما بمشادة بينهما فى مرابع الإبل بسبب الهجن، ثم انتهت إلى غرام وعشق، لكن جميل لم ينل بثينة (كالعادة)، إذ مانعه أهلها. لكن ذلك لم يقتل الحب، رغم أن محبوبته أرغمها أهلها على الزواج من رجل آخر، إلا أنها ظلت تحب (جميل)، ويقال إنهما كانا يتقابلان سرا أحيانا ليتبادلا الأشواق، لكن فى لقاء عفيف بحسب المرويات. ويشار إلى أن كلمة «الحب العذرى» جاءت من هذه القبيلة «بنى عذرة» وقصة جميل وبثينة، أى ذلك الحب العفيف والطاهر .

 قصة كثيّر وعزة، وكثيّر من شعراء العصر الأموى، وقد اشتهر بهيامه بعزة حتى إنه كُنى بها فصار يلقب بـ«كثيّر عزة»، وكأغلب قصص الحب عند العرب لم يتزوجها، وكانت جريمته أنه ألف شعرا يتغنى بها، وكان من عادة العرب ألا يزوجوا من يتغزل شعرا ببناتهم .

أشهر العشاق العرب فهو قيس بن الملوح «مجنون ليلى» الذى عشق «ليلى العامرية»، بنت عمه، وكانت لهما طفولة مشتركة وقد أحبها فى سن صغيرة. وعاشا فى البادية بنجد فى العصر الأموى، وكما يحدث فى العادة، فقد رفض طلب زواجه حيث زوجت ليلى لرجل آخر أخذها بعيدا عن الديار إلى الطائف، فبدأت القصة الملهمة التى دخلت التاريخ، قصة مجنون ليلى التى فيها حب غير عادى، فالرجل كما يروى عنه، «فعل فيه الهيام الأفاعيل، فقد أصبح يطارد الجبال والوهاد ويمزق الثياب ويستوحش من الناس ويكلم نفسه، وهل بعد ذلك إلا الجنون؟ !».

ما هو مصير الحب فى العصر الحالى؟ فى عصر الإنترنت والموبايل والفيس بوك وواتس آب وماسينجر... إلخ .

Nov 6, 2021*

*
Feb 13, 2022

هاشم صالح 

من لا يستطيع أن يحب نفسه لا يستطيع أن يحب غيره.
 الحب هو محرك الوجود، جوهر الوجود.

فلسفة التاريخ تقول لنا ما فحواه: لا يمكن للحب أن ينتصر على الكره والأحقاد المتراكمة على مدار التاريخ إلا بعد أن تأخذ هذه الأحقاد كل مداها وأبعادها، إلا بعد أن تستنفد كل طاقتها وإمكانياتها.

هنيئاً للأجيال القادمة التي ستجيء بعد خمسين سنة أو حتى مائة سنة بعد أن تكون الأجواء قد نُظفت تماماً من كل هذه المنغصات والتلوثات والاستحقاقات. أما نحن؟ نحن جيل الاحتراق والعبور.

الحب الرومانسي الذي طالما تغنى به الشعراء. هذا الضيق 
العشق والغرام

حب المرأة والجمال. ولكن هناك أنواع أخرى من الحب، وأولها حب الحقيقة مثلاً

هل المرأة حقيقة والحقيقة امرأة؟ بشكل من الأشكال: نعم. الحقيقة أعظم عشيقة! كل الفلاسفة الكبار يعرفون ذلك.

إما أن تعشق حتى نهاية الشوط وإما ألا تعشق أبداً. لا لحدود والشروط

 الحب الإلهي - لا الحب البشري.
 ابن الفارض

أحبك حبين حب الهوى
أدين بدين الحب أنى توجهت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق