Aug 28, 2021
. إيكونوميست السيسي
السيسي تنقصه لمسة جمال عبد الناصر والحكم الاستبدادي الجديد في مصر لا أيديولوجية له.
المصريين أحيانا يطلقون على بلدهم اسم “أم الدنيا” ولم ينقص مصر أبدا الهوية، فأبناء النيل هم ورثة أقدم الحضارات، وبلدهم هو أكثر البلدان العربية تعدادا للسكان وهو جسر بين قلب الشرق والمغرب في الغرب.
صر مهمة في النظام العربي لما بعد الحرب العالمية الثانية. وكان جمال عبد الناصر الرئيس الثوري الثاني لمصر شخصية جذابة وصوت القومية العربية. وولدت حركة الإخوان المسلمين في مصر وكذا الجامعة العربية وبدأت الحرب ضد إسرائيل من هنا. وبدأت لتنتهي هنا عندما وقع خليفة ناصر، أنور السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979 لعبت دورا مهما في مقتله.
جهوده لتحرير الإقتصاد والتوجه نحو أمريكا عبرت عن تحول أيديولوجي من سياسات الدولة والميل نحو الإتحاد السوفيتي التي طبعت سنوات ناصر.
تخلت مصر عن مكانتها أثناء ديكتاتورية حسني مبارك الذي حكم 30 عاما، حيث لم تعبر عن طموح أبعد من محاولة الحفاظ على نفسها. ولو أنجز مبارك شيئا فهو تفكيكه لإرث سلفيه، حيث تحول جيش الدولة إلى دولة بوليسية، ورغم مركز مبارك في الجيش قبل توليه السلطة إلا أنه اعتمد على الأجهزة الأمنية لتأمين حكمه.
استبدلت اشتراكية ناصر وانفتاح السادات برأسمالية المحسوبية التي لم يقف أمامها أي رادع. بالإضافة للفساد ومحاولات توريث السلطة لابنه. وهناك إمكانية للمقارنة بين السيسي وسلفه الجذاب، الرجل العسكري الذي قاد انقلابا وسحق الإخوان المسلمين.
لكن على خلاف ناصر، لا أيديولوجية لديه. لكن ما يميز معتقداته هو إيمانه بالجيش وعدم ثقته بالمدنيين، ولكنه لم يعبر عن رغبة بالقيادة الإقليمية، وعوضا عن ذلك فعنده حس ضيق بمصالح مصر وأولوياته الخاصة.
سكان يزيد عددهم عن 102 مليون نسمة تبدو مصر عصية على الحكم، وهي أسرع الدول نموا في العالم من ناحية عدد السكان. وتضاعف عدد سكان مصر منذ 1987 ورغم محاولات تخفيف معدلات الولادة ( وهي اليوم 3.3 طفل لكل امرأة، وأقل من 5 أطفال في الثمانينات) تتوقع الأمم المتحدة زيادة عدد السكان إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050.
“ربنا هيحاسبني وهايقولي ساكت ليه”.. السيسي يثير الجدل مجددا بحديثه عن الخبز
سيحشر هؤلاء الناس في بلد واسع لكنه غير قابل للعيش. وتعيش نسبة 95% من سكان مصر على 5% من أراضيه. وفشلت جهود بناء مدن في الصحراء. وتتحدث الحكومة عن معدلات النمو القوية بالنسبة للناتج المحلي العام، 5.3% عام 2018 و 5.6% عام 2019 بل وفي عز أزمة كوفيد-19 وصلت معدلات نمو الناتج المحلي العام إلى 3.6%، لكن هذه الأرقام الوردية لا تقدم كل القصة.
طارق الملا، وزير النفط المصري، أن قطاع النفط والغاز المزدهر يسهم بنسبة 24% من الناتج المحلي العام. وهذا جيد للخزينة لكنه لا يقدم إلا القليل لتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل الذين تصل نسبتهم 10% من السكان و 26% بين الشباب.
بنهاية عام 2020 وصلت نسبة 30% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر أي 857 جنيها (55 دولار) في الشهر.
سيطرة الجيش المصري على الاقتصاد
يزيد القلق هي سيطرة الجيش على الاقتصاد. ومن الصعب تقدير قيمة إمبراطوريته بالدولار لأن حساباته ليست خاضعة للتدقيق. ولو أخذنا مثالا واحدا، قطاع الأسمنت الذي سيطر عليه وغمر الأسواق بكميات زائدة من الأسمنت بشكل دفع الشركات الخاصة للإفلاس.
يدير الجيش أكبر مصنع للأسمدة في البلاد وأكبر مزرعة تربية أسماك بالمنطقة، وهما مشروعان افتتحهما السيسي شخصيا.
يقدم الرئيس صورة عن رجل دائم الحركة، زعيم يحاول تطوير بلده. واقترح أحد مستشاريه وبطريقة أبوية أن المصريين ومنذ أيام الفراعنة يعشقون القادة الذي يقومون بمشاريع كبيرة.
أكبر مشاريع السيسي هي العاصمة الإدارية، شرق القاهرة. وعادة ما يطلق المصريون على القاهرة اسم مصر، تعبيرا عن عدم الانفصال بين البلد وعاصمته. والقاهرة كتلة تمتد على مساحة 40 كيلومترا من مركزها التاريخي.
المدينة التي كانت تبدو خالدة تتغير بطريقة مذهلة. وكان إفراغ ميدان التحرير هو مثال عن هذا التغير. والمسافر إلى القاهرة من المطار لا يرى إلا حي هيوليوبوليس الغني والمشجر بين كتل الأسمنت.
يقوم الجيش بفرض الأمن الداخلي عبر تجنيد أكبر عدد من الناس. ويعتقد أن عدد موظفي أجهزة الأمن هو 100.000 موظف أي 3 أضعاف عدد من يوظفهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) هذا بالإضافة لشبكة مخبرين يصل عددهم الملايين.
إعادة تشكيل فضاء القاهرة لتحقيق أهداف النظام الديكتاتوري. فالشوارع المشجرة تعتبر مساحات جذابة للمحتجين، وكذا الساحات التي تجذب المارة.
مشروع العاصمة الجديدة هو محاولة لفصل الحكومة عن الشعب. ومثل الكثير من الأنظمة العربية فيما بعد الحرب، يقوم الجيش بفرض الأمن الداخلي عبر تجنيد أكبر عدد من الناس. ويعتقد أن عدد موظفي أجهزة الأمن هو 100.000 موظف أي 3 أضعاف عدد من يوظفهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) هذا بالإضافة لشبكة مخبرين يصل عددهم الملايين.
لو عشت في القاهرة زمن مبارك فرهانك صحيح على بواب العمارة وأنه واحد من المخبرين. لكن هذه الشبكة لم تكن كافية لكي يكون النظام موجودا في كل مكان وفي الأوقات. لهذا تقوم حكومة السيسي ببناء نظام استبدادي حديث وواسع. فقانون عام 2018 يقضي بمشاركة شركات استئجار السيارات عبر التطبيقات الهاتفية بالبيانات التي تحصل عليها من المستخدمين مع الحكومة. وبعد عام وقعت الحكومة على عقد مع شركة “هانيويل” الأمريكية لتركيب 600 كاميرا في كل شوارع العاصمة الجديدة مرتبطة بمركز قيادة يديره الجيش.
عبر المسؤولون المصريون عن إعجابهم بالصين وقدرتها على تحقيق النمو والتنمية والحفاظ على السلطة في الوقت نفسه. وأعلن السيسي عن حملة أطلق عليها “اثنين كفاية” في ترداد للسياسة التي تخلت عنها الصين والتي منعت إنجاب أكثر من طفلين للعائلة. والصورة تشي بحكومة تتطلع لأن تكون مثل الصين من خلال مشاريع عدة توجهها الدولة وسيطرة كاملة على السكان.
السيسي وسنوات حكمه الأولى بالشرق الأوسط
م يهتم السيسي في سنوات حكمه الأولى بالشرق الأوسط الذي لا يجلب إلا الصداع ووجه اتهامه نحو أفريقيا التي أهملها مبارك. وتحدث مساعدوه عن الفرص الاقتصادية في جنوب الصحراء. لكن مصر أصبحت في الفترة الأخيرة عنصرا مهما في الدبلوماسية العربية. فسعد الحريري الذي كلف بتشكيل الحكومة اللبنانية أصبح زائرا مستمرا على القاهرة. وكان لبنان ساحة تنافس بين سوريا وإيران ودول الخليج التي تنافست على التأثير فيه، لكن ليس مصر التي ابتعدت عن حرب الوكالة السعودية- الإيرانية ولم يكن لديها مصالح في المشرق.
ساعد السيسي على تحقيق اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بعد حرب أيار/مايو، كما ولعب دورا كبيرا في الحرب الأهلية في الجارة ليبيا.
بل وعقد مدير المخابرات المصرية محادثات مع نظيره الإيراني، وهي خطوة غير عادية من بلد حاول الابتعاد عن النزاعات العربية والإيرانية. وكان الدافع للدور الذي لعبه السيسي هو حماية المصالح المصرية الضيقة، ففي غزة وليبيا فالهدف واضح لأنهما كانا مصدرا لعدم الأمن.
كان السيسي سعيدا بالابتعاد عن شركائه بالمنطقة، فقد رفض إرسال قوات لدعم الحملة السعودية في اليمن. وهو قرار مفهوم نظرا للحرب المدمرة التي خاضها الجيش المصري في هذا البلد. مع أن قراره خيب آمال حلفائه في الخليج الذين أنفقوا المليارات لدعمه بعد الانقلاب.
ابتعد عن الإجماع العربي بشأن سوريا وسمح للأسد بإعادة فتح سفارته في القاهرة عام 2013، ودعم لاحقا التدخل الروسي الذي أنقذ الديكتاتور السوري. وكان ناصر خطيبا مفوها يتم تداول خطاباته على منصات التواصل الاجتماعي. وفي خطاب شهير له هاجم الإخوان المسلمين الذين كانوا يريدون فرض الحجاب على المرأة.
رئيس مصر اليوم يدعو مواطنيه للتمرين والعمل الجاد. ولكن من الصعب تخيل أن يشعر الجيل المصري بالحنين لمحاضرات السيسي المملة. وهو ما يجعله صورة عن العروبة الحديثة: زعيم لا يطمح لإعادة تشكيل العالم العربي بل والحفاظ على بلده.
*
Oct 31, 2021
الجيوش العربية . دكتاتوريات العسكرية ******************
بعد حوالي عقدين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، تمضي إدارة الرئيس ترامب في قرارها بسحب القوات الأمريكية من عدد من المواقع في الشرق الأوسط: العراق، وسوريا وأفغانستان.
تقليص مشاركة الولايات المتحدة في الحروب بالعالم. تماما كما يوظف لذلك حفل توقيع اتفاق التطبيع التاريخي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة
في زمن الاضطراب الأمريكي..جيوش عربية تبحث عن كياناتها
فالعسكريون يفرضون وجودهم في كل من مصر ومرورا بالجزائر وانتهاء بالسودان. ويقومون بفرض سطوتهم ضد الاحتجاجات الجماهيرية حتى هذه اللحظة. و يخاطرون منذ مدة بوضع سمعتهم على المحك.
الجهاز الأمني لم يعد صالحا لحماية البلاد من أعداء خارجيين، بل للسيطرة على المواطنين. والفجوة بين الجيش كرمز للدولة القوية والمجتمع المحروم من التعبير عن رأيه تعمقت وتوسعت. وعلى أساس التفكير في لعبة حسابية بسيطة ـ إذا أعطيت الآخر شيئا، فسيبقى لي القليل ـ لم تعد الدول التي يسيطر عليها العسكر تقدم فرص التألق والمنافسة السليمة.
الجزائر والسودان يستطيعان بعد مضي ثماني سنوات على بدء ذروة الاحتجاجات الجماهيرية العربية أن تستفيدان من تجارب البلدان الأخرى لتجنب ارتكاب أخطاء. والمتظاهرون في الجزائر والسودان يقبلون في الحقيقة الاستفادة من العسكريين في فترة انتقالية لضمان النظام. لكنهم يشددون على أن يكون في اللجان الانتقالية عسكريين بجانب التمثيل المدني.
مصر نرى كيف يمكن بالقمع بسط الهدوء في بلاد. لكن زمن الديكتاتوريات العسكرية الحديدية قد ولى. وبإمكانها ـ مثل في مصر ـ وقف الساعة. لكن المستقبل ليس في حوزتهم.
*
Dec 8, 2021
إعجاب الناس وهم يلعبون لعبة “عسكر وحرامي” طيلة تاريخهم.
ثنائية. هل انتبهتم؟ مقابل العسكر في حارات الطفولة، لا يوجد سوى الحرامي. وذلك الحرامي يتخذ أشكالا عديدة، قد يكون سياسيا ليبراليا أو مثقفا انتهازيا أو متطرفا دينيا أو فاسدا، المهم أن من يطارده العسكر هو حرامي دوما. أما العسكر فهم لا يتغيرون، ثابتون، حماة الديار وأبطال الأمجاد.
لا شهية لدينا لمناقشة الجيوش العربية في ظل الأمن القومي المستتب، وسباق التسلّح الهائل الذي يطمئن إلى أن الأمور تمام التمام. الفكرة في الظهيرة وساعاتها اللاهبة والتي بات المرء يفتقدها في أنحاء العالم، فتلك الساعة من طيف اليوم لها سحرها وفتنتها التي لا توازيها فتنة. يعرف ذلك أهل الشرق خبروه وتعلقوا به واستخلصوا منه خمرا حلالا قبل أن تُخلَق الكأسُ.
كان يمكن أن تكفي البشرية وتفيض ويصبح سكان الأرض كلهم أغنياء وكلهم عسكر ولا يوجد فيهم أي حرامي.
*
Jan 14, 2022
يؤمن للناس شرطا معيشيا جيداً، بحيث يحظون بفرص عمل وبمستوى اقتصادي مقبول نسبياً، لكن من دون أن ينتخبوا ممثليهم السياسيين ويحاسبونهم حال أخطأوا، أي أن الناس يسلمون أمورهم للأب الحاكم، ويتخلون عن أدوارهم، من انتخاب ومجتمع مدني ومجموعات ضغط وأحزاب سياسية وصحافة ورأي عام.
توزيع المغانم على الناس لتضمن ولاءهم، وغالباً ما تعود نتائج خطواتها الاقتصادية المتسرعة، بالسلب على المجتمع، عبر تدمير طبقات وسطى كان يمكن أن تترسخ، وتشكل دعامة أي تغيير مقبل، وكذلك عبر تحويل الطبقات الفقيرة التي تزعم «الديكتاتورية التقدمية» العمل لأجلها وتحسين أوضاعها، إلى مادة جماهيرية للزعيم، تزحف لتأييده، وترجوه العودة عن استقالته الوهمية، بالاستعانة بالتعبئة وتخوين المختلف والإعلام الشعبوي الموجه. هؤلاء ليسوا جماهير «التقدمية» بقدر ما هم جماهير الزعيم، خصوصا أن «التقدمية» في الزمن الناصري، ليست كما هي الآن. آنذاك، كانت تعرّف نفسها سياسياً، بالسلب من «الرجعية» ومشاريعها في المنطقة، وهذا التعريف رغم جمعه بعدا اقتصاديا دعائيا، يتمثل بتحسين أوضاع الناس المعيشية، وعدالة توزيع الثروة، لكنه افتقر إلى ما هو اجتماعي، أي مخاطبة الحساسيات المختلفة، وتطوير الوعي تجاهها.
ديكتاتورا مثل عبد الفتاح السيسي، قد يكون أفضل من ديكتاتور مثل جمال عبد الناصر، ليس لأن الأول أقل ديكتاتورية، بل كونه مكشوفا وعاريا، لا يجمّل قمعه وسلطويته وترهيبه، بـ»التقدمية» على ما يحلو ليساريين كثر أن يفعلوا عند مقاربتهم حقبة «بطل» هزيمة 67. مع العلم أن الأول هو الابن الروحي للثاني، مع وضوح أكثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق