الاثنين، 7 فبراير 2022

ماركس ضد سبنسر | رأسمالية من؟ لمن؟ الاقتصاد الحر ******

Oct 5, 2020

 وصف ريتشارد بوزنر، وهو من أهم القانونيين والاقتصاديين المحافظين في الولايات المتحدة الأمريكية، أزمة 2008 بأنها فشل لرأسمالية بُنيت على الأفكار الخاطئة للاقتصاديين النيوليبراليين ولطبيعة الرأسمالية المالية الأمريكية، وليس فشل الرأسمالية بشكل مطلق. وفي نقاش مع أحد الزملاء الاقتصاديين من الذين يؤمنون بتفوق الاقتصاد الحر على ما عداه من النظم الاقتصادية حول أزمة الرأسمالية في لبنان، طرح فكرة أن لبنان ليس لديه اقتصاد حر، بل «اقتصاد الغاب»، لما يحتوي الاقتصاد من سيطرة احتكارية لقلة في مجالات عديدة تتيح دعم استعمال قوتهم السياسية والاقتصادية لتحقيق المكاسب المادية على حساب الآخرين. الحل إذاً يكون بتفكيك البنى والنظم التي تعوق السوق الحرة من أجل تحقيق اقتصاد حر ينتج رفاهاً اجتماعياً كما جاء في الكتب الاقتصادية.

2018

الرائج اليوم أيضاً، خصوصاً في تحليلات الاقتصاديين الليبراليين وبعض المؤسسات الدولية لأسباب فشل التنمية في الدول النامية، وصف الرأسمالية في هذه الدول بأنها (رأسمالية الأصحاب) أو رأسمالية (الدولة الغنائمية). هذه الأوصاف استعملت كثيراً خلال الربيع العربي وبعده، بدافع تلبيس الثورات العربية، خصوصاً في مصر وتونس، الرداء المحكم للنيوليبرالية، لكونها ثورات على أنظمة، وإن كانت رأسمالية، وإنما يضربها الفساد والتسلط من قبل أحزاب وعائلات كظواهر هجينة ولصيقة على الرأسمالية الصافية للأسواق الحرة.

تجذّرت مصالح البرجوازية في الاحتكار والريع والاستدانة، هذا التحليل ـ أقلّه في الظاهر ـ ليس بجديد، ويعيد إلى الأذهان مفهوم ماركس لـ(الاستبداد الشرقي) الذي وصف فيه المجتمعات قبل الرأسمالية في الشرق، كيف أنها بسبب أنظمتها في الملكية وسياسياً لا يمكن أن تتطور إلى الرأسمالية كما حدث في أوربا الغربية. على الرغم من الفارق في عمق التحليل بين ماركس وما يطرح اليوم، السؤال يطرح نفسه: هل نحن في الشرق وغيره محكومون اليوم برأسمالية شرقية، وبالتالي ما علينا إلا التخلص من بعض الفاسدين والعائلات والأحزاب المتسلطة لنطلق العنان للرأسمالية الحقيقية؟

أولاً، الرأسمالية نفسها لم تتوافق قطّ مع النموذج الليبرالي الذي بدأ يطرح بأنها نظام اقتصادي تبادلي بين أفراد لا وجود فاعل فيه للربح وتراكم الرأسمال والطبقات وتوزع الدخل بينها منذ تخلص الفكر الرأسمالي من آخر الاقتصاديين العلميين، أي دافيد ريكاردو، الذي حدد مهمة الاقتصاد السياسي بالبحث عن كيفية توزّع الدخل بين طبقات المجتمع، مستعملاً ذلك للبحث عن الديناميكية الطويلة الأمد لهذا التوزع وتأثيره في حيوية الرأسمالية. من دون الدخول في تاريخ الرأسمالية وأشكالها التي اتخذتها منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، إلا أن وصفين لاقتصاديين للرأسمالية اليوم، يبيّنان لنا مدى عدم التوافق بين الواقع والنظرية.

يصف جوزف ستيغليتز، الاقتصاد الأمريكي، وهو أكثر الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة ليبرالية، بأنه اقتصاد الـ1%، مفنداً كيفية الترابط بين السيطرة على الأسواق والسياسات الاقتصادية، وتمركز الثروة والدخل بنحو يجعل الاقتصاد الأمريكي في خدمة حفنة قليلة من النخبة الثرية، عاكسة بذلك الفترة الذهبية للرأسمالية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. كذلك، إن توماس بيكيتي في كتابه الأخير (الرأسمال في القرن الحادي والعشرين)، الذي أفردت الجمعية الاقتصادية الأمريكية حلقة خاصة لنقاشه في اجتماعها الأخير في بوسطن في كانون الثاني الماضي كانت من الأكثر حضوراً، أسهب كيف أن الرأسمالية أصبحت رأسمالية ريعية، محكومة بزيادة الفوارق الاقتصادية وتمركز الثروة وتعطيل الديناميكية الإنتاجية للرأسمالية.

ثانياً، حتى لو سلّمنا جدلاً بأن هناك رأسمالية مثالية يجب تحول الرأسماليات المختلفة من رأسمالية الغاب إلى الرأسمالية الريعية إليها، فإن السؤال المهم هو ماهية القوى السياسية والطبقية التي ستنقلنا من هذه الرأسماليات إلى الرأسمالية الحقيقة؟ بالعودة إلى لبنان، للإجابة عن هذا السؤال، فإن الأفق السياسي مغلق بواسطة سيطرة الأحزاب الطائفية التي لا برامج اقتصادية لديها ما عدا تأبيد النظام الحالي التحاصصي. أما الطبقات البورجوازية، فقد تجذرت مصالحها في الاحتكار والريع والاستدانة. بل إن ترابطاً تاريخياً حصل بين صعود الريعية والنظام التحاصصي الطائفي منذ نهاية الحرب الأهلية حتى الآن منتجة قنوات توزيع للدخل والثروة تغذّي هذا الترابط أنهكت تطور قوى الإنتاج، مؤدية إلى اقتصاد ركودي منخفض الإنتاجية ومانع للتطور التكنولوجي.

سأل لينين ((Who whom  في إطار تعريفه للسلطة والسياسة على أنها تحديد من يسيطر على من ولمصلحة من، وفي هذا الإطار إن الطريق الوحيد للتخلص من أزمة الرأسمالية اللبنانية من أجل إقامة اقتصاد عصري تنافسي وديناميكي هو بإنهاء ثنائية سلطة التحاصص الطائفي ـــ الريعي، واستبدالهما بنظام ذي توجه اشتراكي يقدر على إدارة الرأسمالية بشكل فعال. إن هذه هي الطريقة الوحيدة لكسر سيطرة الاحتكار والريع وإطلاق الحرية للأسواق (ما عدا الأسواق المالية لارتباطها بتمركز الثروة وإنتاج الفقاعات) من أجل الابتكار والتقدم التكنولوجي، ومن أجل مبادرة فردية منتجة لا يمكن أن تكون إلا ضمن وعاء اقتصادي جماعي. إن سلطة بديلة كهذه تستطيع أن تحرر الفوائد والريوع وأسعار العقارات وسعر الصرف من التحكم المستمر منذ أكثر من عشرين عاماً، الذي خدم النظام التحاصصي ــــ الريعي من أجل إطلاق عجلة الاقتصاد إلى الأمام. كذلك إن هذا النظام ذا التوجه الاشتراكي يمكن أن يتحكم بالاستثمار في الاقتصاد لإعادة بناء البنى التحتية المهترئة التي نتجت من التوجه إلى الاستهلاك ونقص الضرائب على الدخل والثروة في ظل النظام الحالي.

إن اليسار والحزب الشيوعي اللبناني تحديداً مدعوان لقيادة هذا التغيير ممثلين أوسع طبقات الشعب اللبناني التقدمية من طبقة عاملة ومتوسطة ومثقفين وعمال مهرة ومبادرين خلاقين، أي كل هؤلاء الذين تركتهم الرأسمالية اللبنانية على قارعة الاقتصاد والسياسة لمصلحة أكثر الفئات تخلفاً ورجعية ليس فقط في السياسة، بل على عكس ما يدعون في الاقتصاد أيضاً.

غسان ديبة

*

إنماء إنسانية الاقتصاد الحر!

مخاطر الاقتصاد الحر؛ كالاحتكار والتقلب الاقتصادى وزيادة البطالة، وعدم شرعية التمويل لتعظيم الأرباح، وتفاقم عدم المساواة الاجتماعية فيزيد الأغنياء غني، والفقراء فقرا! وهل كانت نظرة الدولة لإدارتها للمنظومة الاقتصادية – بمرحلة اقتصاد الحرب – اعتبارا لإنسانية المواطن من المساواة وعدالة التوزيع والاحترام والأخوة؟ وهى قيم واعتبارات إنسانية كثيرا ما تصادف معاناة بتجارب الاقتصاد الحر الصرف.

كالتوظيف الحكومى ودور الدولة بإدارة الخدمات والدور المدنى للقوات المسلحة. فملكية الدولة لوسائل الإنتاج وأداء الخدمات، تدغدغ مشاعر الأمان بكثير منا، وبمناخ عام متحسس للقطاع الخاص ولرجال الأعمال، يرى البعض المصانع والمزارع الحكومية الحل لمواجهة احتكار رجال الأعمال وارتفاع الأسعار، متجاهلا أهمية الدافع الشخصى للإنتاج والإبداع والمخاطرة والمنافسة، مقابل نقص قدرات الجهاز الوظيفى حكومى لاستمرار نتائج تجربة التأميم بالستينات.

حتى عند إطلاق برامج الخصخصة وبزوغ طبقة رجال الأعمال المباركيين، مُسخت الخصخصة باستئساد هذه الطبقة باستحواذها على زخم من شركات القطاع العام، لتبيع أراضيها وتسرح عمالها، وتمهد لعهد جديد يعتمد الوساطة والريع، مقابل انحسار استثمارات القطاع الخاص بمشاريع التنمية والصناعة الحقيقية والبنية التحتية.

المناداة بتطبيق آليات الاقتصاد الحر مطلقا، بقدر توفيرها لزيادة امان الملكية الخاصة وكفاءة السوق، وازدهار الأسواق المالية وحرية المشاركة والابتكار وقيادة العملاء لخيارات نجاح وفشل المقدم ، وتنوع السلع بأسعار منخفضة، نتيجة منافسة توفرها بأحسن جودة وأفضل الأسعار، بقدر خلقها لأزمات وقسوة آلياته أحيانا مع إنسانية مقدمى الخدمات والمنتجات! فالاحتكار يحطم عدالة التوزيع والمساواة، والتلاعب بالأسعار وغياب الرقابة يدعم طحن محدودى التمويل، والسعى للربح المطلق وتعظيمه يبرر الجرائم الاقتصادية إلخ. وهو ما اضطر مع الاقتصاد الحر لاستحداث التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات، لمحاولة تدارك الإنسانيات المهضومة فى صراع العرض والطلب والربح المطلق.

“الاقتصاد الاجتماعي” المتوسط بين الاقتصاد الرأسمالى والاشتراكي، كتدبير للدولة من خلاله تحقق الموازنة والمساواة بين أفراد الوطن، وإعطاء الطبقات المتوسطة والفقيرة حقوقها، حتى تمر فترة زمن الحرب، لتتهيأ السوق لاقتصاد حر مصري، يحقق مزاياه ويستحدث ضوابط لكبح عيوبه تدريجيا.

ليست لحساب تغول القطاع الخاص أو استئساد الكيانات الحكومية)، ولكن لحساب حق المواطن المصرى بحياة كريمة، بإنماء إنسانية الاقتصاد الحر.. المصري!

(إنماء إنسانية الاقتصاد الحر) ورد بورقة بحثية للمصرفية د. داليا عبد القادر بعنوان (أنسنة التمويل)، لتطوير مفهوم التمويل ببعده الرقمى والكمي، ليستوعب قيما أخرى غير مادية، باستبدال مفهوم الربح والخسارة بمعيار القيمة والخسارة، مما يساعد على تعميق الترابط والتأثير المتبادل بين المال والبيئة والمجتمع ونظم الحوكمة، وهو ما يمكن ترجمته سريعا بتطوير منظومة الخدمات العامة بتقديم الدولة، فتجتمع القيم المادية المالية بالقيم غير المادية، لتثمر خدمات حقيقية، تحتم فصل دور الدولة كمقدم للخدمات العامة ومنفذها ورقيبها ومحاسبها، وإلا فكيف يتوقع إنماء إنسانية الخدمات المقدمة للمواطن من المصدر والقاضى والجلاد معا؟

الاقتصادية التنافسية، بالشراكة بين القطاعين الخاص والعام، كإحدى آليات الاقتصاد الاجتماعي، ما سيدعم تطوير إنماء إنسانيات الاقتصاد الحر المصرى الجديد، بصورة احترافية لتقديم خدمات مطورة لخدمة المواطن، فتحترم إنسانيته، وتكثف نمو إنتاجيته، وتمتعه بحياة كريمة، وهو ما سنعرض آلية تحقيقه لاحقا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق